أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري
رسالة علمية
مقدمة إلى كلية أصول الدين لتكميل شرط من الشروط اللازمة لنيل الدرجة العالمية
تأليف :
محمد إدريس
098 ك 508
قسم الوحدة الخاصة بكلية أصول الدين
جامعة إمام بنجول الإسلامية الحكومية بادنج
1433 هـ/2012 م
تجريد
هذه الرسالة محتملة على الموضوع : أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري، وضعها محمد إدريس، رقم التسجيل: 098 ك 508 طالب الوحدة الخاصة في قسم التفسير والحديث، كلية أصول الدين، جامعة إمام بنجول الإسلامية الحكومية ببادنج.
إن من أعظم علم القرآن هو علم أمثاله ولكن الناس في غفلة عنه وضرب الله الأمثال في القرآن لأن نتدبرها ونتفكرها لما فيها من دروس وعبر وأسرار جليلة. ومن الأمثال في القرآن هو أمثال المنافقين. فلذا المشكلة المطروحة في هذه الرسالة هي ما هو أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري. وهو إمام من أئمة اللغة والمعاني والبيان. وكتابه الكشاف من أشهر كتب التفسير بالرأي وقد وصل إلينا كاملا لجميع آي القرآن.
وفي هذا البحث أسلك مسلك البحث المكتبي، وهو باطلاع الكتب المتعلقة بهذا البحث. والمنهج المستعمل في هذه الرسالة وهو منهج التفسير الموضوعي بجمع الأيات القرآنية التى تتحدث عن قضية هذا البحث. والمصدر الأساسي هو كتاب التفسير لزمخشري الذي سمي بالكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. والمصدر الإضافي هو كتب التي تزيد المعلومات في هذه الرسالة، منها كتب التفاسير وعلوم القرآن، كتب اللغة والمعاجم، والكتب الأخرى التي تتعلق بقضية هذا البحث.
وبعد إطلاع الكتب المتعلقة بهذا البحث فوجدت أنها جاءت في أربعة موضوعات في مختلف سور من القرآن هي : سورة البقرة الأية : 20-17، وسورة التوبة الأية : 69-68، وسورة الحشر الأية : 17- 14 وسورة المنافقون الأية : 4، وهو يحتوي على خمسة أمثال كما فسّره الزمخشري في كتابه الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
أرجو أن تكون هذه الرسالة نافعة لسائر الأمم، خاصة لي ولمن قرأها لزيادة المعلومات. والله أعلم.
شكر وتقدير
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين على أمور الدنيا و الدين. والصلاة والسلام على محمد الرسول الأمين الذي بعث رحمة للعالمين وهو سيد المرسلين خاتم النبيين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أجمعين.
وما انقطع من لساني الشكر والحمد وما انتهى منه على ما أنعمه علي من النعم والصحة والفراغ حتى قضيت الدراسة الرسمية وكتابة الرسالة العلمية بالموضوع : أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري وهو شرط من الشروط اللازمة للحصول على شهادة الكفاءة في هذه الجامعة الإسلامية الحكومية. وأبلغ شكري وتقديري على:
1. فضيلة السيد مدير الجامعة إمام بنجول الإسلامية الحكومية الأستاذ الدكتور معمور شريف الماجستير ومساعديه، وفضيلة السيد عميد كلية أصول الدين بجامعة إمام بنجول الإسلامية الحكومية، الدكتور إخوان ومساعديه.
2. وفضيلة السيد رئيس الوحدة الخاصة، الدكتور علي ساتي الماجستير، وسكريتره السيدة إلهمني لسانسي الماجستير، والسيدة يوليا رحمي الماجستير.
3. وفضيلة المشرفين الدكتورندوس عثمان ألنس الماجستيرومحمد جوسواندي شاس الماجستير، وهما قد أرشداني في كتابة هذه الرسالة، وبفضلهما أستطيع علىإتمامها في وقتها.
4. وفضيلة المدرسين الذين قد بذلوا جهودهم في عملية التعليم في الوحدة الخاصة خاصةً، وكلية أصول الدين عامةً، في جامعة إمام بنجول الإسلامية الحكومية.
5. وفضيلة رئيس مكتبة الجامعة إمام بنجول الإسلامية الحكومية، رئيس مكتبة كلية أصول الدين وموظفيهما الذين وسعوا المجال لقراءة الكتب.
6. أبي وأمي المحبوبان ولا يزالان يحباني وقد سعيا قدميهما إلى حتفهما رجاءا على نجاحي في دراستي في هذه الجامعة. وكذلك رجائي ودعائي لإخواني وأخواتي حفظكم الله جميعا.
7. وأخيرا، الشكر على كل من أبذل جهده مساعدة لي في أداء واجبتي وإقامتها ومن أعطاني قوة الحماسة. جزاكم الله جزاءا وافيا.
بادنج، 15 فيبرايير 2012
محمد إدريس
098 ك 508
محتويات الرسالة
الموضوع الصفحة
تجريد................................................................. .... أ .....................................................................
شكر وتقدير.............................................................. ب
محتويات الرسالة............................................................ د
الباب الأول: مقدم
أ. الدوافع إلى اختيار الموضوع ............................................. .... 1
ب. مشكلة البحث و تحديده .............................................. .... 9
ج. توضيح الموضوع ....................................................... .. 10
د. أهداف البحث ....................................................... .. 11
هـ. فوائد البحث .......................................................... .. 12
ف. منهج البحث .......................................................... .. 12
الباب الثاني : أمثال القرآن
أ. معنى الأمثال في القرآن ........................................ . 13
ب. أنواع الأمثال في القرآن ......................................... . 18
د. فوائد الأمثال في القرآن ........................................ . 21
الباب الثالث : جار الله الزمخشري وتفسيره الكشاف
أ. ترجمة جار الله الزمخشري ......................................... . 27
1. نسبه وحياته ................................................ . 30
2. مذهبه وعقيدته .............................................. . 32
3. مؤلفاته .................................................... . 32
4. ثناء العلماء عليه ............................................ . 35
ب. تفسير الكشاف للزمخشري
1. اسم الكتاب وسبب التسمية .................................. . 36
2. الدوافع إلى تأليف الكتاب .................................... . 38
3. منهج الزمخشري في الكشاف ................................. . 42
4. مميزات تفسير الكشاف ...................................... . 41
5. عناية العلماء في تفسير الكشاف .............................. . 42
الباب الرابع : من الأمثال الموجودة في القرآن عند الزمخشري
أ. خطوة الزمخشري في تفسير الآية فيها الأمثال ....................... 45
ب.تفسير الآيات عن أمثال المنافقين عند الزمخشري .................... . 49
الباب الخامس: خاتمة
أ. الخلاصة ............................................................... . 65
ب. الإقتراحات ............................................................. . 67
المراجع
الباب الأول
المقدمة
1. الدوافع إلى اختيار الموضوع
القرآن هو هداية الخالق لإصلاح الخلق، و شريعة السماء لأهل الأرض. وهو التشريع العام الخالد، الذي تكفل بجميع مايحتاج إليه البشر في أمور دينهم و دنياهم. في العقائد، والأخلاق و في العبادات و المعاملات، و في الإقتصاد و السياسة و السلم و الحرب و المعاهدات و العلاقات الدولية وهو في كل ذالك حكيم كل الحكمة، لا يعتريه خلل ولا اختلاف، ولا تناقض ولا اضطراب. وأصيل غاية الأصالة، و عدل غاية العدالة، ورحيم غاية الرحمة، و صادق غاية الصدق[1]، وصدق الله : {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[2].
من بداهة القول أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم على رسوله صلى الله عليه وسلم هداية للناس في شتى مناحي حياتهم إلى أقوم طريق وأهدى سبيل، وذلك مما ينبئ عنه متعلق الهداية في قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾[3]، و هذه الآية يمدح الله تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، بأنه يهدي لأقوم الطرق، وأوضح السبل أعني ملة الإسلام والتوحيد[4]. ويقيم لها أسس الحياة الفاضلة التي تقوم دعامتها على الإيمان بالله ورسالاته، ويقرر أحوال الماضي، ووقائع الحاضر، وأخبار المستقبل[5].
من أجل ذالك، أهاب الله بالمسلمين أن يتدبروه، فقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾[6]، يقول تعالى آمرًا عباده بتدبر القرآن، وناهيًا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرًا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضادّ ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من الحق وأن يجعلوه مادة عبادتهم ومناجاتهم لبارئهم.
وبجانب ذالك فالقرآن أنزله الله أيضا بينة وحجة لصدق النبي محمد ص.م في دعوى الرسالة لجميع الناس فضلا عمن عـارضوا دعوته. وبينة ذالك الصدق
الذي جاء من رسول الله يقال ويسمى في علوم القرآن " معجزة "[7].
وحال معجزة القرآن ليس كأحوال معجرات الرسل السابقين الذين بعثهم الله إلى قومه خاصة، ولكن المعجزة المحمدية خالدة إلى الناس كافة، و معجزتها معجزة العقل البشري في أرقى تطورات نضجه ونموه، فبينما كان تأييد الله لرسله السابقبن بأيات كونية تبهر الأبصار ولا سبيل للعقل في معارضتها، كمعجزة اليد والعصا لموسى وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى، كانت معجزة محمد ص.م في عصر مشرف على العلم معجزة عقلية تحاج العقل البشري وتتحداه إلى الأبد[8].
وإذا كان القرآن الكريم معجزة عقلية تحاج العقل البشري فالمناسب أن تكون معجزته معجزة أبدية دوامية مادام العقل ومعجزة للجميع وكافة الناس لما لديهم من العقل ويكون معجزة من وجوه ما، مادامت متعلقة بالعقل. ولذلك كانت وجوه إعجاز[9]القرآن كثيرة مما يتعلق بمعانيها المحكمة و المعارف والعلوم والقصص الماضية والأخبار القديمة والأسلوب البلاغية والبيان والنظم والترتيب وغير ذلك .
ومن وجوه إعجاز القرآن الكريم فهو في ألفاظه و أسلوبه، والحرف الواحدمنه في موضوعه من الإعجاز الذي لا يعني عنه غيره في تماسك الكلمة، والكلمة في موضعها من الإعجاز في تماسك الجملة، و الجملة في موضوعها من الإعجاز في تماسك الآية[10]وأمثال القرآن هو من أساليب القرآن الكريم في ضروب بيانه و نواحي إعجازه.
قال الماوردي: من أعظم علم القرآن علم أمثاله والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات، والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام. وقال الزركشي في البرهان: و إن حكمته تعليم البيان وهو من خصائص هذه الشريعة[11].
وإذا اطلعنا بعض آيات القرآن فوجدنا فيها آية الأمثال كثيرة. و أمرنا الله أن نتدبرها ونتذكرها لما فيها من دروس وعبر وأسرار جليلة. وذكر الله في كتابه العزيز : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون(.[12]{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون}[13].{وَتِلْكَ الْأَمْثَالَُ ضْرِبُهَا
الله عليه وسلم قال : إن الله أنزل القرآن آمرًا و زاَجِراً، وسنَةً خَالِيَةً ومثَلًا مَضرُوبًا[15].
ومن الأدلة السابقة تدل بأن الله يضرب الأمثال في القرآن الكريم لتذكر و لتفكر عليه الناس لما فيها من المعلومات و الدروس والعبر وأسرار الجليلة. ولكن ماذا الحدث اليوم؟ لايفهمها الناس إلا قليلا منهم، ولا يعلمها عوامهم الا العالمون، ولا يدركها إلا العاقلون، كما أشاره الله في آخر الأية السابقة {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}. كم من أية القرآن من الأمثال كتمثيل النفقة في سبيل الله، وكتمثيل أحوال المنافقين، والكافرين و غير ذالك من الأمثال. و لكن الحدث اليوم، ما يتأثر تلك الأمثال في حياة عوام الناس لقلة فهمهم عليه.
بناء على ذالك، أرغب في البحث هذا البحث، لتدقيق فهم كل مسلم وتحقيق صحة فهمهم نحو القرآن الكريم، يجب عليه أن يتدبّره ويتفكره بكل دِقّة وإتقان، يُختصّ في أمثال القرآن، كقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَه}[16].و آية الأمثال في القرآن كثيرة، إما يتعلق بأحوال المؤمنين وإما يتعلق بأحوال الكافرين و المنافقين.
فأخذت مثالا من أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري، و زيادة العبارة
لأن نبتعد من هذه الصفة السيئة وكان أهله من شر الناس كما قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِى يَأْتِى هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ[17]». ومنه قول الله تعالى : {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18)[18]}
كقول زمخشري في تفسيره : لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان. ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد. فإن قلت : ما معنى مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً، وما مثل المنافقين ومثل الذي استوقد ناراً حتى شبه أحد المثلين بصاحبه؟ قلت : قد استعير المثل استعارة الأسد للمقدام، للحال أو الصفة أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة، كأنه قيل : حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً.
فإن قلت : هلا قيل ذهب الله بضوئهم؟ لقوله : {فَلَمَّا أَضَاءتْ}؟ قلت :
ذكر النور أبلغ؛ لأنّ الضوء فيه دلالة على الزيادة. فلو قيل : ذهب الله بضوئهم، لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نوراً، والغرض إزالة النور عنهم رأساً وطمسه أصلاً. {وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات} والظلمة عبارة عن عدم النور وانطماسه، وكيف جمعها، وكيف نكرها، وكيف أتبعها ما يدل على أنها ظلمة مبهمة لا يتراءى فيها شبحان وهو قوله : {لاَّ يُبْصِرُونَ}.
فإن قلت : فلم وصفت بالإضاءة؟ قلت : هذا على مذهب قولهم : للباطل صولة ثم يضمحل. ولريح الضلالة عصفة ثم تخفت، ونار العرفج مثل لنزوة كل طماح . والفرق بين أذهبه وذهب به، أن معنى أذهبه : أزاله وجعله ذاهباً . ويقال : ذهب به إذا استصحبه ومضى به معه. وذهبت السلطان بماله : أخذه (فلما ذهبوا به)، {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} )المؤمنون : 91( . ومنه : ذهب به الخيلاء. والمعنى : أخذ الله نورهم وأمسكه، {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} )فاطر : 2( فهو أبلغ من الإذهاب[19].
وإذا لاحظنا تفسير الزمخشري بالأية السابقة فوجدنا فيها البحوث الكثيرة.
منها مناسبة الأية بالأية السابقة، معاني المفردات، تضريب المثل بالأمثلة الأخرى
ويبين من كل وجوه الأسلوب و اللغة بيانا واضحا حتى سهل على القارى في فهم الأية المعينة.
والزمخشري إمام من أئمة اللغة والمعاني و البيان. و كان مفسرا الذي يؤول الآيات وفق مذهبه وعقيدته بلحن لا يدركه إلا الخاصة، ويسمي المعتزلة إخوانه في الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية. وكتابه الكشاف من أشهر كتب المفسرين بالرأي والماهرين في اللغة[20]. وتفسيره الكشاف أنه وصل إلينا كاملا، شامل لجميع آي القرآن الكريم، وقد تأثر كثير من المفسرين بدقة بلاغته وفصاحته وبيان إعجاز القرآن في ذلك وواقع الثناء كثير من ناحيتها[21].
وهذا التفسير له مميزات منها: خلوة من الحشو والتطويل، سلامته من القصص الإسرائيلي غالبا، اعتماد في بيان المعاني على لغة العرب وأسالبهم في الخطاب، عنايته الفائقة بالإبانة عن أسرار الإعجاز القرآني بطريقة فنية قائمة على الذوق الأدبي، اتباعه طريق السؤال: (إن قلتَ- بفتح التاء) ويقول في الجواب : (قلتُ- بضم التاء) وهي طريقة من طرق التشويق في التعليم وترسيخ المعاني في النفس[22].
بنـاء على تلك الدوافع أريد أن أبحث بحثا عميقا عن أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري.فقد كتبت هذه الرسالة العلمية تحت الموضوع: "أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري". وقد أمرنا الله أن نتدبرها ونتذكرها لما فيها من دروس وعبر وأسرار جليلة.
2. مشكلة البحث وتحديده
بناءً على ما تقدم في خلفية البحث حول أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري، فالمشكلة المطروحة في هذه الرسالة هي ما هو أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري؟
واختار الزمخشري لأنه إمام من أئمة اللغة والمعاني و البيان. وكتابه الكشاف من أشهر كتب المفسرين بالرأي والماهرين في اللغة[23]. و تفسيره الكشاف أنه وصل إلينا كاملا، شامل لجميع آي القرآن الكريم، وقد تأثر كثير من المفسرين بدقة بلاغته وفصاحته وبيان اعجاز القرآن في ذلك وواقع الثناء كثير من ناحيتها[24]
ودراسة الأمثال في القرآن هي دراسة واسعةوأمثالها كثيرة كذالك، التي
لا يمكنني أن أقوم ببحثها كلها. فبحصر القدرة والمراجع والأوقات، فحددت هذا البحث:
1. خطوة الزمخشري في تفسير الأية فيها الأمثال
2. أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري ببحث الأمثال المصرحة فحسب، وهي ما صرح فيها بلفظ المثل، أو ما يدل على التشبيه. و تقع في أربع سور من القرآن:
أ. سورة البقرة الأية : 20-17
ب. سورة التوبة الأية : 69-68
ج. سورة الحشر الأية : 17-14
د. سورة المنافقون الأية : 4
3. توضيح الموضوع
وأما الموضوع من هذه الرسالة هي "أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري". ولفهم المراد بهذا الموضوع، أوضح معاني الإصطلاحات الموجودات فيه كما يأتي:
1. | أمثال | : | جمع مثل، والمثَل والمِثل والمثِيل : كالشبه والشبه والشبيه لفظا و معنا. إنه إبراز المعنى في صورة حسية تكسبه روعة وجمالا[25] |
2. | المنافقين | : | |
3. | القرآن | : | مصدر من قرأ بمعنى القراءة. و هو كلام الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه و سلم المكتوب قي المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المعجز ولو بسورة[27]. |
4. | الزمخشري | : | جار الله محمود بن عمر الزمخشري. ولد في سنة 467هـ، وتوفي سنة 538هـ[28]. |
و المراد بموضوع الرسالة هو ماأمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري؟
4. أهداف البحث
وأما أهداف البحث لهذه الرسالة فهي:
أ. معرفة خطوة الزمخشري في تفسير الآية فيها الأمثال
ب. معرفة تفيسر الأيات عن أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري
5. فوائد البحث
أرجو بعد انتهاء هذه الرسالة الفوائد الآتية
1. لتكميل شرط من الشروط اللازمة للحصول على الدرجة العالية فى قسم التفسير والحديث فى الوحدة الخاصة بكلية أصول الدين لجامعة إمام بنجول الإسلامية الحكومية بادنج.
2. زيادة معرفة الكاتب خاصا والناس عاما فيما يتعلق بأمثال المنافقين فيالقرآن.
3. لكشف النظرية العلمية وتطور الخزانة العلمية فيما يتعلق بأمثال القرآن عند الزمخشري.
6. منهج البحث
أما نوعية البحث فى كتابة هذه الرسالة فهو البحث المكتبي. فهو تخصيص هذا البحث بمنهج مكتبي حيث كانت المراجع تصدر من بعض الكتب الموجودة
فى المكتبة.
وأما مصدر البحث فهو نوعان: المصدر الأساسي هو كتاب التفسير لزمخشري الذي سمي بالكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. والمصدر الإضافي هو كتب التي تزيد المعلومات في هذه الرسالة، منها كتب التفاسير الأخرى، كتب علوم القرآن، كتب اللغة والمعاجم، والكتب الأخرى التي تتعلق بهذا البحث.
المنهج المستعمل في هذه الرسالة هو منهج التفسير الموضوعي. التفسير الموضوعي هو جمع الأيات القرانية التى تتحدث عن قضية أو موضوع واحد وتفسيرها مجتمعة واستنباط الحكم المشترك منها ومقاصد القرآن فيها[29].
فأستعمل هذا المنهج لبيان خطوة الزمخشري في تفسير الأية فيها الأمثال بتشريحه وتوضيحه في تفسيره الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
وطريقة الكتابة المستعملة هنا هي طريقة كتابة الرسالة في جامعة إمام بنجول الإسلامية الحكومية بادنج سنة 2007م.
الباب الثاني
الأمثال في القرآن
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فاعلموا بالحلال واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال. قال الماوردي: من أعظم علم القرآن علم أمثاله والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات، والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام.[30]
أ. معنى الأمثال في القرآن
والأمثال : جمع مَثَل، والمثَل والمِثل والمثِيل : كالشَبَه والشِبْه والشَبِيْه لفظا و معنا وإنه إبراز المعنى في صورة حسية تكسبه روعة وجمالا.[31]
|
أهْملتَ وقت الإمكان أمْرَك[32]. وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال فقال : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر : 21)
والمثل يقال على وجهين أحدهما: بمعنى المِثْل نحو شبه ونِقْض ونَقَض، قال بعضهم وقد يُعبر بهما عن وصف الشيء نحو قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُون) الرعد: 35، (محمد : 15). والثاني : عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أيّ معنى كان وهو أعمّ الألفاظ الموضوعة للمشابهة، وذالك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط، والشبه يقال فيما يشارك في الكيفية فقط، والمساوي يقال فيما يشارك في الكمية فقط، والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط، والمثل عام في جميع ذالك[33].
المثل : أسلوب بياني بليغ يعبر عن خلجات النفس و كوامن الحس، ويبرز المعقول في صور محسه و يكشف عن الحقائق اليدق فهمها، ويعوض الغائب في معرض الحاضر. وهو على ايجازه يحمل من المعاني الرائعة ما لا تسعه المجلدات الضخام، ويحمل في طياته من المرامي والمقاصد ما يجعله دستورا للحياة، يحتكم الناس إليه، و يحتجون به، ويسيرون على نهجه وهداه. وهو من أهم الأساليب البيانية المقنعة للعقل، والممتعة للآذن، والمؤثرة في الوجدان.[34]
وقال الخفاجى سمى مَثَلا لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدا أى شاخص فيتأسى به
ويتعظ ويخشى ويرجو والشاخص المنتصب وقد جاء بمعنى الصفة كقوله تعالى وَلِلَّهِ المثَلُ الاَعْلَى أى الصفة العليا وهو قول لا إله إلا الله وقوله مَّثَلُ الجَنة الَتِى وُعِدَ المتَّقُونَ أى صفتها[35].
ويطلق المثل على الحال والقصة العجيبة الشأن[36]. وبهذا المعنى فسر لفظ المثل في كثير من الآيات. كقوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ).(محمد : 15) : أي قصتها وصفتها التي يتعجب منها. وأشار الزمخشري إلى هذه المعاني الثلاثة في كشافه فقال : والمثل في أصل كلامهم : بمعنى المثل ، وهو النظير.يقال : مَثل ومِثل ومَثِيل ، كشَبه وشِبْه وشَبِيه. ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده : مثل. ولم يضربوا مثلاً، ولا رأوه أهلا للتسيير ، ولا جديراً بالتداول والقبول ، إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه. ومن ثمّ حوفظ عليه وحمى من التغيير[37].
وهناك معنى الأخر ذهب إليه علماء البيان في تعريف المثل فهو عندهم : المجاز المركب الذي تكون علاقته المشابهة متى فشا استهماله. وأصله الاستعارة التمثيلية.كقولك للمتردد في فعل أمر : مَالي أَراَك تقَدم رجلاً وتؤَخر أخرى[38].
فالأمثال القرآنية هي تمثيل حال أمر بحال أمر آخر، سواء ورد هذا التمثيل بطريقة الإستعارة، أم بطريقة التشبيه، أم بطريقة الكناية، فالأمثال القرآن لايستقيم حملها على أصل المعنى اللغوي الذي هو الشبيه و النظير، ولا يستقيم حملها على ما يذكر في كتب الأدب من تشبيه المضرب بالمورد، ولا يشترط أن يكون فيه غرابة أو طرافة، ولكنها صور مختلفة لمعاني ترد للعبرة والاتعاظ، وتقريب ما يستعصى على العقول فهمه من الأمور الغيبية كالصفة الجنة، وكيفية زوال الدنيا وغير ذالك[39].
فابن القيم يقول في أمثال القرآن : وأنها شَبِيه شَئٍ بِشَئ في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الأخر واعتبار أحدهما بالآخر[40].كقوله تعالى في حق المنافقين: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ. أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ - إلى قوله - إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[41] فضرب للمنافقين بحسب حالهم.
ولذا كان الضابط الأخير أليق بتعريف المثل في القرآن : فهو إبراز المعنى في صورة رائعة موجزة لها وقعها في النفس، سواء كانت تشبيها أو قولا مرسلا.
ب. أنواع الأمثال في القرآن
فمن مثال الأول : قوله تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا. الآيات ضرب فيها للمنافقين مثلين: مثلا بالنار، ومثلاً بالمطر. أخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين، كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار ضوءه وتركهم في ظلمات، يقول في عذاب، أوكصيب هو المطر ضرب مثله في القرآن فيه ظلمات يقول ابتلاء ورعد وبرق تخويف يكاد البرق يخطف أبصارهم يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقون في الإسلام عزاً اطمأنوا، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا فأبوا ليرجعوا إلى الكفر كقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ)[43].
وأما الكامنة : فقال الماوردي : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول: سمعت أبي يقول: سألت الحسن بن الفصل فقلت: إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن، فهل تجد في كتاب الله: خير الأمور أوساطها؟ قال: نعم في أربعة مواضع، قوله تعالى لاَ فَارِض ولاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَينَ ذلِك وقوله تعالى وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا[44] وقوله تعالى ولَا تَجْعَل يدَك مَغلُولةً إلَى عُنُقِكَ ولاَ تَبسُطهَا كُل البَسطِ وقوله تعالى ولَا تَجهَر بِصَلاَتِك ولاَ تُخافِت بهَا وابْتَغِ بَينَ ذَلكَ سَبِيلاً[45].
1. النوع الأول : الأمثال المصرحة وهي ما صرح فيها بلفظ المثَل، أو ما يدل على التَشْبِيه. وهي كثيرة في القرآن نورد منها ما يأتي :
قوله تعالى في حق المنافقين : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ إلى قوله - إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)[47]
ففي هذه الآيات ضرب الله للمنافقين مثلين : مثلا ناريا في قوله (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) لما في النار من مادة النور، ومثلا مائيا في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ) لما في الماء من مادة الحياة، وقد نزل من السماء متضمنا لاستنارة القلوب وحياتها.
2. النوع الثاني من الأمثال : الأمثال الكامنة وهي التي لم يصرح فيها بلفظ التمثيل، ولكنها تدل على معان رائعة في إيجاز، يكون لها وقعها إذا نقلت إلى ما يشبهها، ويمثلون لهذا النوع بأمثلة منها :
أ. ما في معنى قولهم (خير الأمور الوسط)
1) قوله تعالى : لَا فَارِضٌ ولَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَين ذالِكَ (البقرة : 68)
2) قوله تعالى في الصلاة (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (الإسراء : 110)
ب. ما في معنى قولهم ( كمَا تَدِينَ تُدَانُ)
قوله تعالى : مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِه – النساء : 123)
ج. ما في معني قولهم ( لَا يَلْدغْ المُؤمِنُ مِنْ حَجَر مَرْتَينِ)
قوله تعالى على لسان يعقوب (قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين ( يوسف : 64)
3. النوع الثالث : الأمثال المرسلة في القرآن : وهي جمل أرسلت إرسالا من غير تصريح بلفظ التشبيه. فهي جارية مجرى الأمثال.
ومن أمثلة ما يأتي : الآنَ حَصْحَصَ الْحَقّ (يوسف : 51). لَيْسَ لهَا مِنْ دُوْنِ اللهِ الكَاشِفَة (النجم : 58). أَلَيْسَ الصُبْحُ بِقَرِيْب (هود :58)
ج. فوائد الأمثال في القرآن
وقد عرفنا فيما سبق ذكره، أن أمثال القرآن الكريم في الدرجة العليا من الإعجاز البياني، لأنها تبرز المعاني في صور محسوسة وتظهرها بإيجاز بليغ، ويبعث في النفوس مشاعر الإعجاب والأنبهار، وتدل بعمق على مواطن العظة و الاعتبار. وإذا لاحظنا الآية القرآنية التي فيها الأمثال فسوف نجد فيها الأغراض المتنوعة و الفوائد الكثيرة.
وقال الشيخ عز الدين: إنما ضرب الله الأمثال في القرآن تذكيراً ووعظاً، فما اشتمل منها على تفاوت ثواب أو على إحباط عمل أوعلى مدح أوذم أونحوه فإنه يدل على الأحكام. وقال غيره : ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس، فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي والغائب بالمشاهد[48].
وأغراض ضرب الأمثال في القرآن لا تنحصر، لكنها تردها في جملتها إلى مقصد واحد، وهو بيان الحق الذي جاءت به الرسل لهداية الخلق، ودعوتهم إلى عبادة الله وحده والانقياد لطاعة عز وجل، وذالك بوضع منهج متكامل روعيت فيه مصالح العباد في العاجل والآجل[49].
وإذا كانت هذه الأغراض لا تنحصر فإنه بإمكاننا أن نذكر أصولها بوجه عام، وهي ستة يندرج تحتها فروع بحسب من ضرب له، أو ضرب فيه المثل.
الغرض الأول : تقريب صورة الممثل له إلى ذهن المخاطب، وذالك بأن يكون المخاطب جاهلا بحقيقة الشيء الممثل له جهلا مطبقا. فيأتي المثل القرآني لرفع هذه الجهالة وإزالة هذا الغموض.
ومن ذالك حكاه الله تعالى عن الحور و الولدان المخلدين في مثل قوله جل شأنه : وَحُورٌ عِينٌ.كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُون ( الواقعة : 22-23)
الغرض الثاني : الإقناع بأمر من الأمور. كقول الله تعالى : أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ.قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ( يس : 77-79)
الغرض الثالث : الترغيب و الترهيب بذكر محاسن ما يرغب فيه و مساوئ ما ينفر منه كما في قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ.تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار(ابراهيم : 24-26)
الغرض الرابع : إثارة محور الطمع والرغبة أو محور الخوف. وهذا من الأغراض التربوية المهمة، ونلاحظه بكثرة في البيانات القرآنية. من ذالك قوله تعالى : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم. (البقرة : 261)
الغرض الخامس : مدح من يستحق المدح، وذم من يستحق الذم بقصد التمييز بين المصلح و المفسد، والمحسن و المسيء ليزداد المحسن إحسانا، ويرعوى المسيء عن اساءته.
الغرض السادس : شحذ ذهن المخاطب، وتحريك طاقته الفكرية أو استحضار ذكائه لتوجيه عنايته حتى يتأمل ويتفكر، ويصل إلى إدراكه المراد عن طريقة التفكر. كقول الله تعالى : لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الحشر : 21)
1. الأمثال تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس، فيقبله العقل لأن المعاني المعقولة لاتستقر في الذهن إلا إذا ضيغت في صورة حسية قريبة الفهم، كما ضرب مثلا لحال المنفق رياء، حيث لا يحصل من إنفاقه على شيء من الثواب، فقال الله تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) البقرة :264.
2. وتكشف الأمثال عن الحقائق، وتعرض الغائب في معرض الحاضر، كقول الله تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ : البقرة : 275)
3. وتجمع الأمثال المعنى الرائع في عبارة موجزة كالأمثال الكامنة والأمثال المرسلة في الآيات الآنفة الذكر.
4. ويضرب المثل للترغيب في الممثل حيث يكون الممثل به مما ترغب فيه النفوس، كما ضرب الله مثلا للمنفق في سبيل الله حيث يعود عليه الإنفاق بخير كثير، فقال الله تعالى : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْع
سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَـاعِفُ لِمَنْ يَشَـاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيـمٌ.
(البقرة : 261)
5. ويضرب المثل للتنفير حيث يكون الممثل به مما تكرهه النفوس، كقول الله تعالى في النهي عن الغيبة : وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ (الحجرات : 12)
6. ويضرب الله المثل لمدح الممثل كقوله تعالى في الصحابة : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.( الفتح : 29)
والأمثال في الحقيقة أوقع في النفس وأبلغ في الوعظ والإرشاد و أقوى من الزجر. وفي شدة انتباه السامع و في الإقناء بها عند سماعها. وقد أكثر الله تعالى من الامثال في القرآن الكريم للتذكرة و العبرة، كما استعملها الرسول صلى الله عليه و سلم في كثير من أحاديثه الشريفة واستعان بها الداعون إل الله تعالى في كل عصر لنصرة الحق وإقامة الحجة وكذالك ليستعين بها المربون و يعتبرونها من وسائل جذب الانتباه و الإضاح والتشويق ليتمكن من إيصال ما يريدون ما يريدون إيصاله إلى المستمع[51]، وذروة هذا كله قوله تعالى : {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون}[52]
الباب الثالث
جار الله الزمخشري وتفسير الكشاف
أ. ترجمة جار الله الزمخشري
1. نسبه وحياته
لقب بالخوارزمي لأنه ولد في منطقة خوارزم في خراسان، ولقب بالزمخشري لأنه ولد في قرية (زمخشر) في إقليم خوارزم[54]. ولقبه الأشهر هو جار الله، حيث غلب عليه، لمجاورته بمكة المكرمة زمانا طويلا[55].
|
نشأ في زمخشر وسط أبوين صالحين، وتلقى العلم على أبيه عمر أولا، وحفظ عليه القرآن، وتلى العلم على كبار علماء عصره، في خوارزم وبخارى وغير ذلك[58].
وقطعت رجله وهو في سن الصبا، قيل: بسبب الثلج والبرد، وقيل: بسبب جرح أصابه، وقيل: إنه سقط عن الدابة فقطعت رجله، وقيل: كان ذلك بسبب دعاء والدته[59].
روى ابن خلكان عن ابن القفطي أنه لما دخل الزمخشري بغداد، واجتمع بالفقيه الدامغاني الحنفي سأله عن سبب قطع رجله؟ فقال: "دعاء الوالدة، وذلك أني في صباي أمسكت عصفورا، وربطته بخيط في رجله، وأفلت من يدي، فأدركته وقد دخل في خرق، فجذبته، فانقطعت رجله في الخيط، فتألمت والدتي لذلك، و قالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله، فلمـا وصلت إلى سن
نشأ الزمخشري في أسرة فقيـرة، فأباه يدفع به إلى خياط ليعلمه الخياطة، ولكن الزمخشري له رغبة في طلب العلم. فيستعطف أباه، قائلا له: "احملني إلى البلد واتركني بها"[61].
ورحل الزمخشري إلى بخارى في طلب العلم، وزار مدينة (مرو) ولقي بها الإمام السمعاني (ت: 562هـ)، وتنقل بين خوارزم وخراسان، محصلا للعلم، فحصل أصول الفقه والحديث والتفسير والكلام وعلوم العربية[62]. وصار عالما معروفا في خوارزم وخراسان وهو في ثلاثين من عمره، واشتهر بعلمه في التفسير والنحو والعقيدة والأدب[63].
وفي مطلع القرن السادس رحل إلى مكة لأداء فريضة الحج، وجاور في بيت الله الحرام، ولقب بجار الله، واجتمع بشريف مكة وأميرها علي بن حمزة ابن وهاس، وهو من آل البيت وعلى مذهب المعتزلة، فأكرمه غاية الإكرام، وألف عند الحرم معظم كتبه، ومنها تفسير الكشاف، وتجول في كل أنحاء جزيرة العرب من اليمن وعمان ونجد وغيرها، واستمرت مجاورته في الحرام سنوات عديدة، ثم زار خوارزم وأقام بها فترة قصيرة، وعاد وجاور في الحرم سنوات أخرى، ثم غادرها عائدا إلى خوارزم، وتوفي فيها بعد أن جاوز السبعين عاما[64].
أ) شيوخه
ولقد كان عصر الزمخشري عصر أشياخ علم وأساطين فنون، فيتلمذ الزمخشري لكثير منهم، وهم:
1) أبو مضر محمود بن جرير الضبي الأصفهاني (ت 507هـ)، وهو مدخل مذهب الاعتزال إلى خوارزم، وأخذ عليه النحو والأدب.
2) أبو الحسن علي بن المظفر النيسابوري الضرير.
3) السديد الخياطي، وأخذ عنه الفقه.
4) أبو السعد الجشمي، وهو المحسن بن محمد بن كرامة البيهقي (ت 494هـ)
5) ركن الدين محمد الأصولي، وأخذ عنه الأصول.
6) أبو منصور نصر الحارث، وأخذ عنه الحديث.
7) أبو الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله البطر (ت 494هـ).
8) أبو الحسين أحمد بن علي الدامغاني (ت 540هـ).
ب) تلاميذه
تلمذ للزمخشري طائفة كبيرة من طلاب العلم، حتى تخرجوا به فصاروا أئمة في اللغة وآدابها وعلوم الشرع المطهر. وكان منهم من برز في علوم كثيرة، فأشهرهم:
1) علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس العلوي.
2) علي بن محمد العمراني الخوارزمي، أبو الحسن الأديب، الملقب بحجة الأفاضيل وفخر المشايخ (ت 560هـ).
3) أبو الفضل البقالي الخوارزمي الآدمي، محمد بن أبي القاسم بايجول، الملقب بزين المشايخ. وقد جلس مكان الزمخشري بعده.
4) أبو يوسف يعقوب بن علي بن محمد بن جعفر البلخي، وكان أحد أئمة النحو والأدب.
وقد أجاز الزمخشري لكثير من طلبة العلم في عصره، والذين صاروا أئمة أعلام، منهم أبو طاهر الخشوعي، والأديب الوطواط[66].
2. مذهبه وعقيدته
كان الزمخشري حنفي المذهب ومعتزلي العقيدة[67]. وكما ذكر في السابق أن الزمخشري تلقى العلم أول مرة من أبيه عمر، وبعد ذلك تعلم كثيرا من عدة العلماء الخوارزم كأخذه الفقه والأصول على يد السيد الخياطي وركن الدين محمد الأصولي و أبو الحسين أحمد بن علي الدامغاني الحنفي ببغداد. وتعلم كثيرا على يد أبو مضر محمود بن جرير الضبي الأصفهاني وهو مدخل مذهب الإعتزال إلى خوارزم فأخذ عليه النحو والأدب.
3. مؤلفاته
1) أساس البلاغة (معجم يهتم بالمجاز والإستعارة)
2) أطواق الذهب، أو النصائح الصغار (في الوعظ والرقائق)
3) أعجب العجائب في شرح لامية العرب
4) الأمالي في كل فن
5) الأمكنة والجبال والمياه والبقاع المشهورة في أشعار العرب
6) الأنموذج (مختصر من المفصل في النحو)
7) تسلية الضرير
8) تعليم المبتدي وإرشاد المهتدي (جمل في العربية وترجمتها بالفارسية للناشئين)
9) جواهر اللغة
10) خصائص العشرة الكرام البررة
11) ديوان التمثيل
12) ديوان الرسائل
13) ديوان الزمخشري
14) رؤوس المسائل (في الخلاف الفقهي بين مذهبي أبي حنيفة والشافعي)
15) ربيع الأبرار ونصوص الأخبار (مختارات شتى من الأدب والتاريخ والعلوم)
16) الرسالة الناصحة
17) سوائر الأمثال
18) شافي العي من كلام الشافعي
19) شرح أبيات كتاب سيبويه
20) شرح بعض مشكلات المفصل.
21) شرح مقامات الزمخشري (النصائح الكبار)
22) شقائق النعمان في حقائق النعمان (في مناقب أبي حنيفة)
23) صميم العربية
24) ضالة الناشد في علم الفرائض
25) الفائق (في غريب الحديث)
26) القسطاس
27) القصيدة البعوضية
28) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
29) الكشف في القراءات
30) متشابه أسامي الرواة
31) المحاجاة في الأحاجي والأغلوطات
32) مختصر الموافقة بين أهل البيت والصحابة
33) مسألة في حكمة الشهادة
34) المستقصى في أمثال العرب
35) معجم الحدود
36) المفرد والمركب (أو المؤلف)
37) المفصل في تعليم النحو
38) مقامات الزمخشري
39) مقدمة الأدب (معجم عربي فارسي)
40) المنهاج (في أصول الفقه)
41) نزهة المستأنس
42) النصائح الصغار والبوالغ الكبار
43) نكت الأعراب في غريب الإعراب
44) نوابغ الكلم (حكم وأقوال).
ومن مؤلفاته الكثيرة المذكورة فيها حوالي 22 كتب عن علم اللغة والأدب كالبلاغة والنحو من 44 مؤلفته تقريبا. فهذا دليل على أن الزمخشري عالم العلامة بوسع ودقة علومه في كل مواد إما في اللغة أو الفقه أو الأصول أو العقيدة أو التفسير أو دونها من علومه التي أعطاها الله إياه.
4. ثناء العلماء عليه
كان الزمخشري ديّنا ورعا صالحا ومتدثرا بدثار العلم والفضل، ونقل القفطي عن الإمام أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي قوله: "كان الزمخشري أعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه، وأكثرهم اكتسابا واطلاعا على كتبها، وبه ختم فضلاؤهم". وقال القفطي: "وكان ممن يضرب به المثل في علم الأدب والنحو واللغة، وصنف التصانيف في التفسير وغريب الحديث والنحو وغير ذلك، ودخل خراسان، وورد العراق، وما دخل بلدا إلا اجتمعوا عليه وتلمذوا له واستفادوا منه، وكان علامة الأدب ونسابة العرب، أقام بخوارزم تضرب إليه أكباد الإبل، وتحط بفنائه رحال الرجال، وتحدى باسمه مطايا الآمال[69].
وقال السيوطي: "كان واسع العلم وكثير الفضـل، وغايـة في الذكـاء
وجودة القريحة، ومتفننا في كل علم. وقال ابن حجر: "إنه صالح لكنه داعية إلى الاعتزال". فإن الزمخشري لم يغمط عليه غير مذهبه في الاعتزال[70].
فهكذا الزمخشري، هو عالم صالح ومحرص في طلب العلم ولو بنقصان جسمه أي كما ذكر بأن رجله منقطع في أثناء رحلته لطلب العلم. ولم ييأس لسبب نقصانه وفقيرة أسرته، حتى يتعمق في العلوم تعمقا عميقا مظهر بتأليف عدة الكتب من عدة المواد والموضوع كالتفسير واللغة والأدب. وتأثر كثير من تلاميذه وعلماء آخر بعلومه ومؤلفاته. ولوسع علومه وكثرة مؤلفاته فبذل الزمخشري كل جهده ووقته فيها لحفظها وتطورها حتى لم يقدر من عمره دخول النسآء طول حياته.
ب. تفسير الكشاف للزمخشري
1. اسم الكتاب وسبب التسمية
اسمه المعروف: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
أما سبب التسمية بالكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، فالزمخشري لا يريد من كشافه أن يكشف عن المعاني الظاهرة، وإنما المعاني البعيدة والحقائق الغامضة. وهو في كشافه يريد أن يذكر عيون الأقاويل، ويختار أفضل وأنفس تلك الأقوال المتعلقة بوجوه تأويل القرآن[71].
وفي هذا التفسير يكشف لنا الزمخشري عن جمال القرآن وسحر بلاغته، لما برع فيه من المعرفة بكثير من العلوم، لاسيما ما برز فيه من الإلمام بلغة العرب والمعرفة باشعارهم، وما امتاز به من الإحاطة بعلوم البلاغة والبيان والإعراب والأدب[72].
ويعتبر الكشاف من أكبر كتب المعتزلة التفسيرية الموجودة، ورائدا في ذلك الإتجاه، وخلاصة دقيقة لأهم تفاسير المعتزلة[73].
فإن تفاسير المعتزلة الأخرى لم تصل إلينا، ولكن قسما من أقوال هذه التفاسير موجود في بطون الكتب الأخرى، ومن هذه التفاسير: تفسير قاسم بن إبراهيم الرسي (ت 247)، وعبد الرحمن بن كيسان (ت 235) المعروف بأبي بكر الأصم، وأبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي (ت 303)، وأبي القاسم عبد الله بن أحمد البلخي الكعبي، ومحمد بن بحر أبي مسلم الإصفهاني (ت 307) المسمى بجامع التأويل لمحكم التنزيل، وعلي بن عيسى، أبي الحسن الرماني (ت 384)، والقاضي عبد الجبار صاحب تفسير المحيط، ومحمد بن محسن الحاكم الجشمي صاحب تفسير التهذيب في التفسير، وأبي يوسف القزويني (ت 483)، وغيرها من التفاسير الأخرى[74].
وأما تفسير الكشاف للزمخشري فوصل إلينا كاملا وشاملا لجميع آي القرآن الكريم، وقد تأثر كثير من المفسرين بدقة بلاغته وفصاحته وبيان إعجاز القرآن في ذلك، وواقع الثناء كثير من ناحيتها.
وهذا التفسير - الذي ينتشر إلينا الآن- يتكون من أربع مجلدة بتحقيـق العلماء. والمجلد الأول يحتوي فيه البيان عن ترجمة الزمخشري وتفسيره الكشاف للمحقق، ومقدمة الزمخشري وتفسير الآي في سورة الفاتحة إلى سورة النساء. والمجلد الثاني يحتوي فيه التفسير في سورة الأنعام إلى سورة الأنبياء، والمجلد الثالث يحتوي فيه التفسير في سورة الحج إلى سورة الحجرات، والمجلد الرابع يحتوي فيه التفسير في سورة ق إلى سورة الناس.
2. الدوافع إلى تأليف الكتاب
ذكر الزمخشري في فاتحة كشافه ما دعاه إلى تصنيفه، فبين أن بعض إخوانه في الدين -يعني في مذهب الإعتزال- اجتمعوا إليه وسألوه أن يملي عليهم الكشف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، واستشفعوا عليه بكل عظيم، إلى أن رحل إلى مكة، وهو مع كل هذا يستعفي، حتى قابل الأمير، الشريف أبا الحسن بن وهاس، فصادف منه رغبة كرغبة من سأله الإقدام، فلم يملك إلا الإذعان وتلبية أمر الإمام. ولقد أنهى تفسيره كما يقول في مقدار مدة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان يقدر تمامه في أكثر من ثلاثين سنة[75].
3. منهج الزمخشري في الكشاف
كان منهجه أن يبدأ باسم السورة، ومكيها ومدنيها، وبيان معناها، وذكرأسمائها أن روي لها أسماء أخرى، مع الإشارة إلى فضلها، ثم يدخل في قراءتها ولغتها، ونحوها وصرفها واشتقاقها وغيرها من العلوم العربية، ثم يشرع في الشرح والبيان والتفسير، ونقل الأقوال، والإحتجاج، والرد على من خالفه[76].
ويفيض في بيان القراءات ووجوها، واختلاف معاني الأسلوب القرآني نتيجة لها، ولا ينسى في تفسيره ثقافته النحوية التي كان الزمخشري إماما فيها، فسيوجد أن يكثر من بيان الإعراب ووجوه النحو ويفيض في هذا المضمار، ويكثر الإستشهاد ببلاغة القرآن الكريم بشعر المحدثين وكلامهم[77].
وقد يكون الزمخشري في تفسير الآي متصرفا في المعاني اللغوية بما يتفق لمذهبه الإعتزالي. ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى: (×nqã_ãr 7Í´tBöqtîouÅÑ$¯R ÇËËÈ4n<Î)$pkÍh5u×otÏß$tR ÇËÌÈ) القيامة: 22-23، فهذه آية تثبت رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، وهذا مردود عند المعتزلة، فيذهب الزمخشري إلى أن معنى "ناظرة": منتظرة، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظورا إليه محال، فوجب حمله على معنى يصح معه الإختصاص، والذي يصح معه، أن يكون من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي. تريد معنى التوقع والرجاء، ومنه قول القائل:
وكان الزمخشري إذا حاصره النص القرآني حاول حمله على التخييل، فيراه عند تعرضه لقوله تعالى: (...yìÅurçmÅöä.ÏNºuq»yJ¡¡9$# uÚöF{$#ur(...) (البقرة: 255)، يذكر اربعة أوجه في معنى "الكرسي"، يقول في أولها: إن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط، ولا كرسي ثمة، ولا قعود، ولا قاعد، كقوله: ($tBur (#râys% ©!$#¨,ym¾ÍnÍôs% ÞÚöF{$#ur$YèÏJy_¼çmçGÒö6s% tPöqtÏpyJ»uÉ)ø9$# ÝVºuq»yJ¡¡9$#ur 7M»ÈqôÜtB ¾ÏmÏYÏJuÎ/4) الزمر: 67، من غير تصور قبضة وطي ويمين، وإنما هو تخييل لعظمة شأنه، وتمثيل حسن، ألا ترى إلى قوله: ($tBur(#râys% ©!$#¨,ym¾ÍnÍôs%). والثاني من أوجه معناه: وسع علمه وسمي العلم كرسياً تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم. والثالث: وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك. والرابع: ما روي: أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات والأرض، وهو إلى العرش كأصغر شيء[79]. فهذا هو من أمثلة الزمخشري في التأويل بالتمثيل والتخييل.
وأما في آيات الأحكام وما لها تعلق بالفقه، فإن الزمخشري يتعرض إلى حد ما إلى المسائل الفقهية من دون تعصب لمذهبه الحنفي[80].
4. مميزات تفسير الكشاف
أ) خلوه من الحشو والتطويل.
ب) سلامته من القصص الإسرائيلي غالبا، فإنه مقل في ذكر هذه الروايات، وما يذكره في ذلك، إما أن يصدره بلفظ روي، وإما أن يفوض علمه إلى الله سبحانه، كما فعل في قصة داود وسليمان عليهما السلام، ولكن قد توجد فيه بعض الموضوعات التي لا تدرك بالعقل، وذلك مثل الحديث الطويل المروي في فضائل السور، وكذلك ما روى في قصة السيدة زينب بنت جحش، وقد يذكر بعض الإسرائيليات ولا يفندها مثل ما ذكره في قصة يأجوج ومأجوج.
ج) اعتماد في بيان المعاني على لغة العرب وأساليبهم في الخطاب.
د) عنايته الفائقة بالإبانة عن أسرار الإعجاز القرآني بطريقة فنية قائمة على الذوق الأدبي.
ه) اتباعه طريقة السؤال: "إن قلت" (بفتح التاء)، ويقول في الجواب: "قلت" (بضم التاء)، وهي طريقة من طرق التشويق في التعليم وترسيخ المعاني في النفس.
5. عناية العلماء في تفسير الكشاف
قد اعتمد على تفسير الكشاف المفسرون الذين جاؤوا بعده، ومنهم: فخر الدين الرازي وسمي تفسيره بمفاتيح الغيب، والقمي النيسابوري وسمي تفسيره بغرائب القرآن ورغائب الفرقان، وأبي حيان الأندلسي وسمي تفسيره بالبحر المحيط، وغيرهم. وأخذوا من الكشاف بعض توجيهاته البيانية ولطائفه البلاغية، ومنهم من ناقشه ورد عليه تأويله للآيات بما يتفق ومذهبه الإعتزالي[82].
وقد وضع علماء أهل السنة حواشي على تفسير الكشاف، ومن أشهرها: حاشية فتوح الغيب في الكف عن قناع الريب للعلامة شرف الدين حسن بن محمد الطيبي، الانتصاف من الكشاف للقاضي أحمد بن محمد بن منصور المنير المالكي الإسكندري، حاشية الشيخ محمد عليان المرزوقي في بيان اعتزاليات الكشاف، مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف للشيخ محمد عليان المرزوقي، الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو مختصر من رسالة في تخريج أحاديث الكشاف للإمام أبي محمد الزيلعي[83].
والحواشي التي طبعت بهامش تفسير الكشاف، فهي: الانتصاف من الكشاف لابن المنير الإسكندري، الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف لمحمد عليان المرزوقي، وحاشية الشيخ محمد عليان المرزوقي في بيان اعتزاليات الكشاف.
ووصل إلينا الآن الكتب التي تتعلق بتفسير الكشاف منها: تعريف الدارسين بمناهج المفسرين للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي،التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي،المفسرون حياتهم ومنهجهم لمحمد علي ايازي، منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه لمصطفى الصاوي الجويني. فجزاهم الله خير الجزاء.
فذلك من وجوه عناية العلماء في تفسير الكشاف الذي بين لنا أن الكشاف تفسير جليل عند العلماء المتقدمين والمتأخرين. والله بكل شيء عليم.
الباب الرابع
من الأمثال الموجودة في القرآن عند الزمخشري
أ. خطوة الزمخشري في تفسير الآية فيها الأمثال
بعدما أن تأملت تفسير الزمخشري عن الآية التي فيها الأمثال، فوجدت فيه خطوة التي تسير عليها الزمخشري. كما أذكره فيما يلي مع الذكر الأمثلة لكل منها:
1. كان الزمخشري قبل أن يفسر الأية التي فيها الأمثال يبين مناسبة الأية بالأية السابقة، كقوله عند ما أراد أن يفسر الأية مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا[84].
فقال : لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان. ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد[85].
2. وكان الزمخشري يبحث عن الأمثال من كل وجوه. كمعنى الأمثالوفوائدالأمثال وعما يتعلق به لأن الأمثال بحث جديد.كقوله في تفسير الأية : مَثَلُهُمْ كمثـل
فقال : والمثَل في أصل كلامهم : بمعنى المَثل، وهو النَظِير. يقال : مَثَلٌ ومِثْللٌ ومَثِيلٌ، كشَبَهٍ وشِبْهٍ وشَبِيهٍ. ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده : مثل. ولم يضربوا مثلاً، ولا رأوه أهلا للتسيير، ولا جديراً بالتداول والقبول، إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه[87].
3. وكان الزمخشري يبين معاني المفردات التي أراد تفسيرها، كقوله في بيان معنى النار و النور :
والنار : جوهر لطيف مضيء حارّ محرق. والنور : ضوءها وضوء كل نير، وهو نقيض الظلمة. واشتقاقها من نار ينور إذا نفر؛ لأنّ فيها حركة واضطراباً، والنور مشتق منها. والإضاءة : فرط الإنارة. ومصداق ذلك قوله : {هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَمس ضِيَاءً والقَمَر نُوْراً} (يونس : 5)، وهي في الآية متعدية[88].
4. اتباعه طريقة السؤال كقوله : "إن قلت" (بفتح التاء)، ويقول في الجواب: "قلت" (بضم التاء) كقوله :
فإن قلت : ما معنى مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً، وما مثل المنافقين ومثل الذي استوقد ناراً حتى شبه أحد المثلين بصاحبه؟ قلت : قد استعير المثل استعارة الأسد للمقدام، للحال أو الصفة أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة، كأنه قيل : حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً[89].
5. وكان زمخشري يبحث عن اللغة من كل وجوه كالنحو و الصرف. كقوله في قول الله تعالى : فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ[90].
فإن قلت : أين جواب لما؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما أن جوابه {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ}. والثاني : أنه محذوف كما حذف في قوله : {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} (يوسف : 15). وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام مع أمن الإلباس للدالّ عليه، وكان الحذف أولى من الإثبات لما فيه من الوجازة، مع الإعراب عن الصفة التي حصل عليها المستوقد بما هو أبلغ من اللفظ في أداء المعنى، كأنه قيل: فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام، متحيرين متحسرين على فوت الضوء، خائبين بعد الكدح في إحياء النار[91].
6. تقديم أراء العلماء في اختلاف القراءات
ومنه قوله تعالى : {وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات} قرأ الحسن «ظلمات» بسكون اللام وقرأ اليماني «في ظُلمة» على التوحيد[92]. ثم قوله تعـالى : يَكَـادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ. وقرأ مجاهد «يخطف» بكسر الطاء، والفتح أفصح وأعلى، وعن ابن مسعود : يختطف. وعن الحسن : يخطف، بفتح الياء والخاء، وأصله يختطف. وعنه : يخطف، بكسرهما على إتباع الياء الخاء. وعن زيد بن علي : يخطف، من خطف[93].
7. استخدام الشعر العرب لتفسير بعض الآيات القرآنية.
كقوله عند تفسير الأية : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ }. كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدّوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتقضت بناها التي بنيت عليها للإحساس والإدراك كقوله[94]:
صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِه.... | وإنْ ذُكِرْتُ بُسوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا |
أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ.... | أَصَمُّ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي لا أرِيدُهُ |
8. وتقديم أسباب النزول للأية التي فيها أسباب النزول.
كقول الله تعالى في أمثال المنافقين : وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ[95]. كان عبد الله بن أبيّ رجلاً جسيماً صبيحاً، فصيحاً، ذلق اللسان وقوم من المنافقين في مثل صفته، وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستندون فيه، ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم[96].
وهذه هي خطوات التي سار عليها الزمخشري عند تفسير الأية فيها الأمثال. و من تلك الخطوة المذكورة معروف بأنه إمام من أئمة اللغة والمعاني و البيان.
ب. تفسير الآيات عن أمثال المنافقين عند الزمخشري
وبعد ما أن بحثت في كتاب معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني والأمثال من الكتاب والسنة للترمذيعن أمثال المنافقين فى القرآن الكريم وكذالك بعد الإطلاع الكتب المتعلقة بها فوجدت أنها جاءت في أربعة موضوعات في مختلف سور هي : سورة البقرة الأية : 20-17، وسورة التوبة الأية : 69-68، وسورة الحشر الأية : 17- 14 وسورة المنافقون الأية : 4، كما سيأتي تفسيره و بيانه عند الزمخشري في كتابه الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
1. سورة البقرة الأية : 20- 17
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان. ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن _ ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد[97].
قال الزمخشري في تفسيره أن معنى قوله تعالى "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا" هو : حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً. فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام، متحيرين متحسرين على فوت الضوء، خائبين بعد الكدح في إحياء النار.
والنار : جوهر لطيف مضيء حارّ محرق. والنور : ضوءها وضوء كل نير، وهو نقيض الظلمة. واشتقاقها من نار ينور إذا نفر؛ لأنّ فيها حركة واضطراباً، والنور مشتق منها. والإضاءة : فرط الإنارة. ومصداق ذلك قوله : {هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَمْسَ ضِيَاء والقَمَر نُوراً} (يونس : 5)، وهي في الآية متعدية[98].
ومعنى النار عند الزمخشري في الأية المذكورة يحتوي على معنيين، مجازية و حقيقية. وإذا كانت النار مجازية وهو نار الفتنة والعداوة للإسلام، وتلك النار متقاصرة مدّة اشتعالها قليلة البقاء. ألا ترى إلى قوله : {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله} (المائدة : 64)، وإما ناراً حقيقية أوقدها الغواة ليتوصلوا بالاستضاءة بها إلى بعض المعاصي، ويتهدوا بها في طرق العبث، فأطفأها الله وخيب أمانيهم[99].
وإسناد الفعل إلى الله تعالى في قوله : {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} عند الزمخشري هو : إذا طفئت النار بسبب سماوي ريح أو مطر، فقد أطفأها الله تعالى وذهب بنور المستوقد. ووجه آخر، وهو أن يكون المستوقد في هذا الوجه مستوقد نار لا يرضاها الله[100].
وقوله : {وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات} أصله : هم في ظلمات، ثم دخل ترك فنصب الجزأين. والظلمة عدم النور. وقيل : عرض ينافي النور. والمفعول الساقط من {لاَّ يُبْصِرُونَ} من قبيل المتروك المطرح الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال، لا من قبيل المقدر المنوى، كأنّ الفعل غير متعدّ أصلاً[101].
وشبهت حالهم بحال المستوقد لأنهم غب الإضاءة خبطوا في ظلمة وتورّطوا في حيرة. المراد ما استضاءوا به قليلاً من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق التي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله وظلمة العقاب السرمد. ويجوز أن يشبه بذهاب الله بنور المستوقد اطلاع الله على أسرارهم وما افتضحوا به بين المؤمنين واتسموا به من سمة النفاق[102].
وكانت الأية السابقة بين لنا أن المنافقين من يظهرون الايمان وهم مبطنون الكفر وما هم بمؤمنين في قلوبهم كحال الذي استوقد ناراً. فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام، متحيرين متحسرين على ضياع الضوء، خائبين بعد الكدح في إحياء النار. وضرب الله هذا الأمثال لإِيضاح المعنى الخفي وتقريب المعقول من المحسوس، وعرض الغائب في صورة الشاهد، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب، وأثبت في النفوس.
ثم قال الزمخشري في قوله تعالى : {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ}. وهو أنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى، عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات.وتنكير النار للتعظيم. كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدّوا عن الإصاخة إلى الحق ماسمعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتقضت بناها التي بنيت عليها للإحساس والإدراك كقوله[103]:
صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِه... وإنْ ذُكِرْتُ بُسوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا
أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ … أَصَمُّ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي لا أرِيدُهُ...
ومعنى {لاَ يَرْجِعُونَ} أنهم لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها، تسجيلاً عليهم بالطبع، أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكانهم لا يبرحون، ولا يدرون أيتقدّمون أم يتأخرون؟ وكيف يرجعون إلى حيث ابتدءوا منه.
ونستنبط من هذه الأية أنها إخبار عن أولئك المنافقين بأنهم قد فقدوا بعض حواسهم للاهتداء بعد أن اشتروا الضلالة بالهدى و مستحيل أن يرجعون إلى الحق، لأن ليس لهم أذن يسمعون صوت الحق وليس لهم ألسنة ينطقون به وليس لهم أعين يبصرون آثاره وذلك لتوغلهم فى الفساد فلذا هم لا يرجعون عن الكفر إلى الايمان بحال من الأحوال.
ثم ثنى الله سبحانه في شأنهم بتمثيل آخر ليكون كشفاً لحالهم بعد كشف، وإيضاحاً غب إيضاح. وكما يجب على البليغ في مظانّ الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز؛ فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع. فلذا قال الله تعالى استمرارا للأية السابقة :
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)[104]
قد شبه المنافق في التمثيل الأوّل من السورة البقرة الأية 17 بالمستوقد ناراً، وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، و شبه في التمثيل الثاني من هذه الأية بالصيب وبالظلمات وبالرعد وبالبرق وبالصواعق. شبه دين الإسلام بالصيب، لأنّ القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر. وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات. وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق. وما يصيب الكفرة من الأفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق. والمعنى : أو كمثل ذوي صيب. والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة فلقوا منها ما لقوا. وتمثيل الثاني هو أبلغ لأنه أدل على فرط الحيرة وشدّة الأمر وفظاعته، ولذلك أُخر، وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ[105].
فكذلك قوله : {أَوْ كَصَيّبٍ} معناه أن كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتي هاتين القصتين، وأن القصتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل، فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب، وإن مثلتها بهما جميعاً فكذلك. والصيب : المطر الذي يصوّب، أي ينزل ويقع[106].
وقوله : {مّنَ السماء}قال الزمخشري الفائدة في ذكره أنه جاء بالسماء معرفة فنفى أن يتصوّب من سماء، أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق، لأنّ كل أفق من آفاقها سماء، كما أن كل طبقة من الطباق سماء في قوله :{وأوحى فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا} (فصلت : 12). الدليل عليه قوله : ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنا وسَمَاءِ... والمعنى أنه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء، كما جاء بصيب[107].
وقال الزمخشري لا محل لقوله : {يَجْعَلُونَ} لكونه مستأنفاً، لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدّة والهول، فكأن قائلاً قال : فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل : {يَجْعَلُونَ أصابعهم فِى ءاذَانِهِم} ثم قال : فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق؟ فقيل : يكاد البرق يخطف أبصارهم[108].
وقوله : {مّنَ الصواعق} متعلق بيجعلون، أي : من أجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم، كقولك : سقاه من العيمة. والصاعقة : كصفة رعد تنقض معها شقة من نار، قالوا : تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه، وهي نار لطيفة حديدة. لا تمرّ بشيء إلا أتت عليه، إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود. يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف ثم طفئت. ويقال : صعقته الصاعقة إذا أهلكته، فصعق؛ أي مات إما بشدة الصوت أو بالإحراق. ومنه قوله تعالى : {وَخَرَّ موسى صَعِقًا} (الأعراف : 143)[109].
وقوله {كُلَّمَا أَضآءَ لَهُم} استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول : كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته؟ وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون، إذا صادفوا من البرق خفقة، مع خوف أن يخطف أبصارهم، انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفى وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة، ولو شاء الله لذهب بسمعهم بقصيف الرعد، وأبصارهم بوميض البرق[110].
وقوله {على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ} أن لا يكون الفعل مستحيلاً عند الله، فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها، فكأنه قيل : على كل شيء مستقيم قدير. ونظيره : فلان أمير على الناس أي على من وراءه منهم، ولم يدخل فيهم نفسه وإن كان من جملة الناس[111].
وكانت الأية السابقة ضرب الله مثلا آخر لهؤلاء المنافقين، وصورة المثل العجيبة على حالهم هى مَطر غزير فى ظلمات مصحوب برعد قاصف وبرق خاطف وهم فى وسطه مذعورون خائفون يسدون آذانهم بأنامل أصابعهم حتى لا يسمعون صوت الصواعق خوفا من الموت. شبه دين الإسلام بالصيب، لأنّ القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر. وشبه الكفار بالظلمات. وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق. وما يصيب الكفرة من الأفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق. ومن هداية هذه الآيات أن القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الأرض بماء المطر.
2. سورة التوبة الأية : 69-68
وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا
اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِـطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)
قال الزمخشري في تفسير هذه الأية : فما ظنك بالفسق {خالدين فِيهَا} مقدّرين الخلود {هِىَ حَسْبُهُمْ} دلالة على عظم عذابها، وأنه لا شيء أبلغ منه، وأنه بحيث لا يزاد عليه، نعوذ بالله من سخطه وعذابه {وَلَعَنَهُمُ الله} وأهانهم من التعذيب، وجعلهم مذمومين ملحقين بالشياطين الملاعين، كما عظم أهل الجنة وألحقهم بالملائكة المكرمين {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} ولهم نوع من العذاب سوى الصلي بالنار، مقيم دائم كعذاب النار[112].
ثم قال في قوله {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الكاف محلها رفع على : أنتم مثل الذين من قبلكم. أو نصب على : فعلتم ما فعل الذين من قبلكم وهو أنكم استمتعتم وخضتم كما استمتعوا وخاضوا. وقوله: {كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً} تفسير لتشبيههم بهم، وتمثيل فعلهم بفعلهم[113].
فإن قلت : أي فائدة في قوله : {فاستمتعوا بخلاقهم} وقوله : {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بخلاقهم} مغن عنه كما أغنى قوله : {كالذى خَاضُواْ} عن أن يقال : وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا؟ قلت : فائدته أن يذمّ الأوّلين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ورضاهم بها، والتهائم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة وطلب الفلاح في الآخرة، وأن يخسس أمر الاستمتاع ويهجن أمر الرضى به، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم، كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول : أنت مثل فرعون، كان يقتل بغير جرم ويعذب ويعسف وأنت تفعل مثل فعله. {حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا والاخرة}[114].
بناء على تفسير الزمخشري بالأية السابقة، نستنبط بأن الله وعد للمنافقين عذابا شديدا في الآخرة عقابا من أفعالهم كما فعل الذين من قبلهم ولم يستحقوا عليها ثواباً في الدنيا و الأخرة، فهيئهم الله نار جهنم خالدين فيها جزاء من أوصافهم التي ذو الوجهين وهو يخالف قوله فعله وذالك أبلغ عذاب عند الزمخشري.
3. سورة الحشر الأية : 17-14
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)
بعد ما بين الله سبحان الله عن أحوال اليهود و المنافقين في الأية السابقة على أنهم لا يقدرون على مقاتلة المؤمنين إلا في قرىً محصنة أو من وراء جدر، لقذف الله الرعب في قلوبهم، و قُلُوبُهُمْ متفرقة لا ألفة بينها، يعني : أنّ بينهم إحنا وعداوات، فلا يتعاضدون حق التعاضد، ولا يرمون عن قوس واحدة. وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم. ثم ضرب الله تعالى مثلين للمنافقين، كما فسره الزمخشري بالأية التالية :
{كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ قرِيبًا} أي مثلهم كمثل أهل بدر في زمان قريب. {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من قولهم كلأ وبيل : وخيم سيء العاقبة، يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا {وَلَهُمْ} في الآخرة عذاب النار[115].
مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر، ثم متاركتهم لهم وإخلافهم {كَمَثَلِ الشيطان} إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة، والمراد استغواؤه قريشاً يوم بدر؛ وقوله لهم : {لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ} إلى قوله {إِنِّى برىء مِّنكَ} (الأنفال : 48) وقرأ ابن مسعود : «خالدان فيها»، على أنه خبر أنّ، و {فِى النار} لغو، وعلى القراءة المشهورة : الظرف مستقر، وخالدين فيها : حال. وقرىء : «أنا بريء» وعاقبتهما بالرفع[116].
بناء على بيان الزمخشري بالأية السابقة، نستنبط بأن الله يضرب مثلين للمنافقين، أوله : أنهم كمثل أهل بدر في زمان قريب، ذاقوا سوء العاقبة لكفرهم وعداوتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم في الآخرة عذاب النار. وثانيه : أن المنافقين كَمَثَلِ الشيطان إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة، وهو إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا تؤمن خان، فهذه هي أوصاف المنافقين المجرمين خالدين في النار و ذالك جزاء الظالمين. فينبغي لكل مسلم أن يجتنب من تلك الأوصاف المذمومة.
4. سورة المنافقون الأية : 4
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِـهِمْ كَأَنَّهُـمْ
خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.
قال الزمخشري في تفسير هذه الأية : إن هذه الأية لها أسباب النزول هي: كان عبد الله بن أبيّ رجلاً جسيماً صبيحاً، فصيحاً، ذلق اللسان وقوم من المنافقين في مثل صفته، وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستندون فيه، ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم[117].
بناء على بيان الزمخشري بالآية المذكورة، نستبط بأن أمثال المنافقين في قول الله كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يراد به معنيين :
أ. شبهوا في استنادهم بالخشب المسندة إلى الحائط، لأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع.
ب. ويجوز أن يراد بالخشب المسندة : الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة
إلى الحيطان؛ شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم.
وزاد الزمخشري في تفسيره أن الخطاب في قوله تعالى {رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ} لرسول الله، أو لكل من يخاطب.{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ} وعن اليزيدي أنه قال في {خُشُبٌ} : جمع خشباء، والخشباء : الخشبة التي دعر جوفها : شبهوا بها في نفاقهم وفساد بواطنهم، {عَلَيْهِمْ} أي : يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم، لجبنهم وهلعهم وما في قلوبهم من الرعب. {هُمُ العدو} أي الكاملون في العداوة : لأنّ أعدى الأعداء العدوّ المداجي، الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي {فاحذرهم} ولا تغترر بظاهرهم. {قاتلهم الله} دعاء عليهم، وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم. أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك {أنى يُؤْفَكُونَ} كيف يعدلون عن الحق تعجباً من جهلهم وضلالتهم[118].
هذه الأية تنبهنا بأن نبتعد من المنافقين الذين ليس لهم المنفعة لمصلحة الأمة كالخشب الذي أسند إلى الحائط غير منتفع به، ولوكان ظاهره صالحا وحقيقته فاسدا. وهذا هو مثل المنافقين ولوكان يعجبنا أجسامهم لجمالها ولكن غير منتفع للناس وهم عدونا مبين لأنهم يظهرون ما يخالف في بطونهم.
الباب الخامس
خاتمة
أ. الخلاصة
تلخيصا لما جاء من الأبواب السابقة، أضع بعض النقط المهمة الميسرة للتسهيل في معرفتها إجمالا، ألى وهي :
1. خطوة الزمخشري في تفسير الآية فيها الأمثال
أ. بيان مناسبة الأية بالأية السابقة
ب. البحث عن الأمثال من كل وجوه. كمعنى الأمثال، فوائد الأمثال و عما يتعلق به لأن الأمثال بحث جديد.
ج. بيان معاني المفردات للأية المفسَرة
د. اتباعه طريقة السؤال كقوله : "إن قلت" (بفتح التاء)، ويقول في الجواب: "قلت" (بضم التاء)
ه. البحث عن اللغة من كل وجوه كالنحو و الصرف
و. تقديم أراء العلماء في اختلاف القراءات
ز. استخدام الشعر العرب لبيان تفسير بعض الآيات القرآنية
2. أمثال المنافقين في القرآن
بعد ما أن قدمت البحث في الأبواب السابقة عن أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري فوجدت أنها جاءت في أربعة موضوعات في مختلف سور هي : سورة البقرة الأية : 20-17، وسورة التوبة الأية : 69-68، وسورة الحشر الأية : 17- 14 وسورة المنافقون الأية : 4. كما تقدم تفسيره و بيانه عند الزمخشري. وهو يحتوي على خمسة أمثال :
أ. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ. وشبهت حالهم بحال المستوقد لأنهم غب الإضاءة خبطوا في ظلمة وتورّطوا في حيرة. المراد ما استضاءوا به قليلاً من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم.
ب. ومثلهم كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ، شبه دين الإسلام بالصيب، لأنّ القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر. وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات. وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق. وما يصيب الكفرة من الأفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق.
ج. وكَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ : شبه المنافقون به في عدم الانتفاع
د. ومثلهم كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهم، بأن الله وعد للمنافقين عذابا شديدا في الدنيا والآخرة جزاء بما عملوا كما فعل الذين من قبلهم.
ه. ومثلهم كَمَثَلِ الشيطان إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة. وهو إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا تؤمن خان.
ب.الاقتراحات
وبعد هذا العرض الطويل وأعقبت بخلاصة البحث، فإني لا أدعي أنني قد استكملت كل جانب من جوانب البحث بنقصان المرجع وقلة العلم وضحل البحث، فإن الكمال من عند الله، والخطاء من طبيعة البشر وصفتهم، وأن أرجو من سماحة القراء الكرماء عدة الإقترحات، لكي تكون ذات نفعة لنا في إصلاح الكتابة الأخرى :
1. أني قد بذلت جهدي في بجث أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري، ويمكن لمن بعدي أن يأتي البحث من كلام علماء آخر عن أمثال المنافقين وعن الأمثال الآخر في القرآن.
2. وهذا البحث عن أمثال المنافقين في القرآن عند الزمخشري، أظن لم أكمل فيه كامل البحث. فرب الآخرين من بعدي سيقوم ببحث عنها بحثا أعمق مما قد بحثت في هذه الرسالة.
3. أرجو أن نملأ مكتبة الكلية والجامعة بهذه الرسالة إذا كانت مستوفية لشروط لازمة. وأرجو من مدير الجامعة أن يوفي ويكمل مكتبـة الجامعة عامة ومكتبة كلية أصول الدين خاصة بالكتب الحديثة المتعلقة بالتفسير والحديث وعلوم أصول الدين.
المراجع
القرآن الكريم
أرقى دان، صلاح الدين، مختصر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، بيروت : دار النفائس، 1405 هـ-1985م
الأصفهاني، العلامة أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل، معجم مفردات ألفاظ القرآن، بيروت : دار الكتب العلمية، 1425هـ-2004م
الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، بيروت : دار الفكر، الطبعة غير متوفرة، 1431 ﻫ/2001 م
الإمام البخاري، صحيح البخاري، بيروت-لبنان : دار الكتب العلمية، طبعة جديدة كاملة، 2004
الإمام جلال الدين السيوطي الشافعي، الإتقان في علوم القرآن، بيروت : دار الفكر، الطبعة والسنة غير متوفرة
ايازي، محمد علي، المفسرون حياتهم ومنهجهم، طهران: مؤسسة الطباعة والنشر وزارت الثقافة الإرشاد الإسلامي، 1212هـ
جمهورية مصر العربية مجمّع اللغة العربيّة، معجم الوسيط، دمشق : مطبعة الصبيل، الطبعة الرابعة 1425هـ \2005م
الجويني، مصطفى الصاوي، منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه، جاكرتا: ديناميكا بركة أوتاما
الإمام الحافظ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، القاهرة : دار الحديث، 700-774 هـ
الخالدي، صلاح عبد الفتاح، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين، دمشق: دار القلم، 1423هـ-2002م
الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون، القاهرة: دار الحديث، 2005م
الدكتور عبد الحي الفرموي، البداية في التفسير الموضوعي دراسة منهجية موضوعية، القاهرة : المكتبة الجمهورية، المجلد الثاني
محمد أحمد معبد، نفحات من علوم القرآن، القاهرة : دار السلام، 1417 هـ/1996م
محمد بكري إسماعيل، دراسات في علوم القرآن، القاهرة : دار المنار الطيعة الأولى، 1411هـ-1991م
الإمام محمد الرازي فخر الدين، تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتح الغيب، بيروت : دار الفكر، الطبعة الأولى، 1401ﻫـ / 1981 م
الدكتور فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي، أصول التفسير ومناهجه، بيروت : مئسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1414ﻫـ
الدكتور نور الدين عتر، علوم القرآن الكريم، مطبعة الصبيل-دمشق مكتبة الشروق الدولية، الطبعة السادسة، 1416ﻫـ-1996م
أبو القاسم محمود بن عمر الزمحشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل، الرياض : مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1418ﻫـ - 1998 م
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل البيان، القاهرة : مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، والسنة غير متوفرة
شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدداي، روح المعاني في التفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، بيروت-لبنان : دار إحياء التراث العربي، السنة والطبعة غير متوفرة
علي بن محمد الجرجاني، التعريفات، سنقافور-جدة : الحرمين، للطباعة والنشر و التوزيع، 1421هـ
مناع خليل القطان، مباحث في علوم القرآن، الرياض : منشورات العصر الحديث، الطبعة الثالثة، 1493 ﻫـ - 1973 م
[1]. محمد بن محمد أبو شعبة، المدخل لدراسة القرآن الكريم، (القاهرة : مكتبة السنة الطبعة الجديدة، 1992 م)، ص. 10
[9] والمراد بالإعجاز هنا : إظهار صدق النبي ص.م في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزنه الخالدة – وهي القرآن – وعجز الأجيال بعدهم ( أنظر نفس المرجع، ص. 258 ) .
[17] البخاري، ص.حيح البخاري، (بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، طبعة جديدة كاملة، 2004) ص. 1300
[19] أبو القاسم محمود بن عمر الزمحشري، ( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل، الرياض: مكتبة العبيكان ، الطبعة الأولى، 1418ﻫ - 1998 م) ص. 195-196
[21]محمد علي أيازي، المفسرون حياتهم ومنهجهم، (طهران: مؤسسة الطباعة والنشر وزارت الثقافة الإرشاد الإسلامي، 1212ه) ص. 576
[26]جمهورية مصر العربية مجمّع اللغة العربيّة، المعجم الوسيط، (القاهرة: مكتبة الشروق العربية، الطبعة الرابعة، 1429هـ \2008م) ص. 981
[29]الرومي، بحوث في اصول التفسير و مناهجه، (الرياض: مكتبة الرشد للنشر و التوزيع، 1422ه)، ص. 62
[30]السيوطي، المرجع السابق، ص. 131
[32] الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن، ( بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، 2004 )، ص. 516
[33] نفس المرجع.
[34]محمد بكري إسماعيل، دراسات في علوم القرآن، (القاهرة : دار المنار، 1411ه-1991م، الطيعة الأولى)، ص. 335
[35]محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، (القاهرة : دار التراث)، ص. 487
[37] أبو القاسم محمود بن عمر الزمحشري، ( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل، ص. 191
[39]محمد بكري إسماعيل، المرجع السابق، ص. 344
[46] نفس المرجع،ص. 284-286 وراجع إلى كتاب نفحات من علوم القرآن لمحمد أحمد معبد، القاهرة : دار السلام، 1417 هــ/1996م، ص. 111-112
[53]صلاح عبد الفتاح الخالدي، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين، (دمشق: دار القلم، 1423هـ-2002م) ص 532. وقيل: هو محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الزمخشري. (راجع إلى كتاب المفسرون حياتهم ومنهجهم لمحمد علي ايازي، ص 574)
[55]أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، (الرياض: مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1418هـ-1998م) الجزء الأول، ص 12
[56]نفس المرجع
[57]صلاح عبد الفتاح الخالدي، المرجع السابق، ص 532. وراجع إلى كتاب الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الجزء الأول، ص. 18
[60]نفس المرجع، ص 532-533. وراجع إلى كتاب الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الجزء الأول، ص 12-13
[61]أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، المرجع السابق، ص 13
[67]مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، (الرياض: منشورات العصر الحديث، 1411ه-1990م) ص 389. وراجع إلى كتاب المفسرون حياتهم ومنهجهم لمحمد علي ايازي، ص 573
[71]راجع إلى كتاب تعريف الدارسين بمناهج المفسرين للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي، ص 541-542
[72]محمد علي ايازي، المفسرون حياتهم ومنهجهم، (طهران: مؤسسة الطباعة والنشر وزارت الثقافة الإرشاد الإسلامي، 1212ه) ص 575، وراجع إلى كتاب التفسير والمفسرون، الجزء الأول، ص 432
[75]أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، المرجع السابق، ص 19
[76]محمد علي ايازي، المرجع السابق، ص 578
[78]أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، المرجع السابق، ص 20
[79]أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، المرجع السابق، ص 481-483
[80]محمد علي ايازي، المرجع السابق، ص 579
[82]صلاح عبد الفتاح الخالدي، المرجع السابق، ص 542-543
0 Comment